فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد ابن عرفة في الآية:

قوله تعالى: {مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ}.
يحتمل المستلذات فيعمّ الحلال وغيره إلا أن يريد المستلذّ بقيد كونه حلالا أو يقال بالعموم لأن الغاصب إذا زكّى مَا غَصَبَ يجزى عن ربّه ولكن ذلك بعد الوقوع، وأما ابتداء فيؤمر بردّه إلى ربّه، وقيل: الطيب الحلال هنا.
وقوله: {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأرض}.
إشارة إلى الحقيقة وأن الكسب إنّما هو سبب لا مؤثر، لأن ما أُخرج من الأرض يدخل في الكسب فهو عطف خاص على عام أو مقيد على مطلق.
قوله تعالى: {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الخبيث مِنْهُ تُنْفِقُونَ}.
إما الحرام أو ما تكرهون على التأويلين في الطيب.
قال ابن عرفة: وعندي أن الإنسان إذا كانت عنده كسرة باردة وأخرى سخنة وهو يكره الباردة فتصدق بها يدخل في هذا.
قوله تعالى: {واعلموا أَنَّ الله غَنِيٌّ حَمِيدٌ}.
احتراس أن تتوهموا أن الصدقة بهذا يحصل بها نفع للآمر بل النفع لمخرجها فقط. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ}.
هذه الآية تعطي صورا تحدث في المجتمع البشري. وكانت هذه الصور تحدث في مجتمع المدينة بعد أن أسس فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم دولة الإسلام. فبعض من الناس كانوا يحضرون العذق من النخل ويعلقه في المسجد من أجل أن يأكل منه من يريد، والعذق هو فرع قوي من النخل يضم الكثير من الفروع الصغيرة المعلقة عليها ثمار البلح. وكان بعضهم يأتي بعذق غير ناضج أو بالحشف الصغيرة المعلقة عليها ثمار البلح. وكان بعضهم يأتي بعذق غير ناضج أو بالحشف وهو أردأ التمر، فأراد الله أن يجنبهم هذا الموقف، حتى لا يجعلوا لله ما يكرهون، فأنزل هذا القول الحكيم: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم}.
إن الإنفاق يجب أن يكون من الكسب الطيب الحلال، فلا تأتي بمال من مصدر غير حلال لتنفق منه على أوجه الخير. فالله طيب لا يقبل إلا طيبا. ولا يكون الإنفاق من رذال ورديء المال. ويحدد الحق سبحانه وتعالى وسيلة الإنفاق من عطائه فيقول: {ومما أخرجنا لكم من الأرض} وهو سبحانه يذكرنا دائما حين يقول: {أنفقوا من طيبات ما كسبتم} ألا نظن الكسب هو الأصل في الرزق. لا، إن الكسب هو حركة موهوبة لك من الله. إنك أيها العبد إنما تتحرك بطاقة موهوبة لك من الله، وبفكر ممنوح لك من الله، وفي أرض سخرها لك الله، إنها الأدوات المتعددة التي خصك بها الله وليس فيها ما تملكه أنت من ذاتيتك. ولكن الحق يحترم حركة الإنسان وسعيه إلى الرزق فيقول: {أنفقوا من طيبات ما كسبتم}.
ويحذرنا الحق من أن نختار الخبيث وغير الصالح من نتاج عملنا لننفق منه بقوله سبحانه: {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} أي لا يصح ولا يليق أن نأخذ لأنفسنا طيبات الكسب ونعطي الله رديء الكسب وخبيثه؛ لأن الواحد منا لا يرضى لنفسه أن يأخذ لطعامه أو لعياله هذا الخبيث غير الصالح لننفق منه أو لنأكله. {ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غني حميد} أي أنك أيها العبد المؤمن لن ترضى لنفسك أن تأكل من الخبيث إلا إذا أغمضت عينيك، أو تم تنزيل سعره لك؛ كأن يعرض عليك البائع شيئا متوسط الجودة أو شيئا رديئًا بسعر يقل عن سعر الجيد.
لقد أراد الحق سبحانه وتعالى أن يوضح لنا بهذه الصور أوجه الإنفاق:
إن النفقة لا تنقص المال وإنما تزيده سبعمائة مرة.
إن النفقة لا يصح أن يبطلها الإنسان بالمن والأذى.
إن القول المعروف خير من الصدقة المتبوعة بالمن أو الأذى.
إن الإنفاق لا يكون رئاء الناس إنما يكون ابتغاءً لمرضاة الله.
هذه الآيات الكريمة تعالج آفات الإنفاق سواءً آفة الشح أو آفة المن أو الأذى، أو الإنفاق من أجل التظاهر أمام الناس، أو الإنفاق من رديء المال. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)}.
أخرج ابن جرير عن علي بن أبي طالب في قوله: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم} قال: من الذهب والفضة {ومما أخرجنا لكم من الأرض} قال: يعني من الحب والتمر وكل شيء عليه زكاة.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن مجاهد في قوله: {أنفقوا من طيبات ما كسبتم} قال: من التجارة {ومما أخرجنا لكم من الأرض} قال: من الثمار.
وأخرج مالك والشافعي وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارقطني عن أبي سعيد الخدري «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة، وليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة، وليس فيما دون خمس ذود من الإِبل صدقة. وفي لفظ لمسلم: ليس في حب ولا تمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق».
وأخرج مسلم وابن ماجة والدارقطني عن جابر بن عبدالله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة، وليس فيما دون خمس ذود من الابل صدقة، وليس فيما دون خمسة أوْسُق من التمر صدقة».
وأخرج البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارقطني عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريًا العشر، وما سقي بالنضح نصف العشر».
وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي والدارقطني عن جابر بن عبدالله «أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فيما سقت الأنهار والعيون العشر، وفيما سقي بالسانية نصف العشر».
وأخرج الترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فيما سقت السماء والعيون العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر».
وأخرج أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارقطني عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق فهاتوا صدقة الرقة، من كل أربعين درهمًا درهم وليس في تسعين ومائة شيء، فإذا بلغ مائتين ففيها خمسة دراهم».
وأخرج الدارقطني والحاكم وصححه عن أبي ذر «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: في الإِبل صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البز صدقته، قالها بالزاي».
وأخرج أبو داود من طريق خبيب بن سليمان بن سمرة عن أبيه عن جده «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي يعد للبيع».
وأخرج ابن ماجة والدارقطني عن ابن عمر وعائشة «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من كل عشرين دينارًا نصف دينار، ومن الأربعين دينارًا دينارًا».
وأخرج ابن أبي شيبة والدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «ليس في أقل من خمس ذود شيء، ولا في أقل من أربعين من الغنم شيء، ولا في أقل من ثلاثين من البقر شيء، ولا في أقل من عشرين مثقالًا من الذهب شيء، ولا في أقل من مائتي درهم شيء، ولا في أقل من خمسة أوسق شيء، والعشر في التمر، والزبيب، والحنطة، والشعير، وما سُقِيَ سيحًا ففيه العشر، وما سقي بالغرب ففيه نصف العشر».
وأخرج ابن ماجة والدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال: سئل عبدالله بن عمر عن الجوهر، والدار، والفصوص، والخرز، وعن نبات الأرض البقل، والقثاء، والخيار. فقال: ليس في الحجر زكاة، وليس البقول زكاة، إنما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة في هذه الخمسة: في الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب، والذرة.
وأخرج الدارقطني عن عمر بن الخطاب قال «إنما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة في هذه الأربعة: الحنطة، والشعير، والزبيب، والتمر».
وأخرج الترمذي والدارقطني عن معاذ «أنه كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الخضراوات وهي البقول؟ فقال: ليس فيها شيء».
وأخرج الدارقطني والحاكم وصححه عن معاذ بن جبل «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فيما سقت السماء والبعل والسيل العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر، وإنما يكون ذلك في التمر والحنطة والحبوب، فأما القثاء والبطيخ والرمان والقصب والخضر فعفو، عفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم».
وأخرج الدارقطني عن علي بن أبي طالب «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس في الخضراوات صدقة، ولا في العرايا صدقة، ولا في أقل من خمسة أوسق صدقة، ولا في العوامل صدقة، ولا في الجبهة صدقة. قال الصقر بن حبيب: الجبهة: الخيل والبغال والعبيد».
وأخرج الدارقطني عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس فيما أنبتت الأرض من الخضر زكاة».
وأخرج الدارقطني عن أنس بن مالك قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس في الخضراوات صدقة».
وأخرج البزار والدارقطني عن طلحة «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس في الخضراوات صدقة».
وأخرج الدارقطني عن محمد بن عبد الله بن جحش «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس في الخضراوات صدقة».
وأخرج ابن أبي شيبة والدارقطني عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد عفوت لكن عن صدقة أرقائكم وخيلكم، ولكن هاتوا صدقة أوراقكم وحرثكم وماشيتكم».
وأخرج أبو داود وابن ماجة والدارقطني والحاكم وصححه عن معاذ بن جبل «أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن فقال: خذ الحب من الحب، والشاة من الغنم، والبعير من الإِبل، والبقرة من البقر».
وأخرج مالك والشافعي والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي هريرة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: العجماء جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس».
وأخرج الترمذي وابن ماجة عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «في ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة، وفي كل أربعين مسنة».
وأخرج الدارقطني عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس في البقر العوامل صدقة ولكن في كل ثلاثة تبيع، وفي كل أربعين مسن أو مسنة».
وأخرج الترمذي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «في العسل في كل عشرة أزق زق».
وأخرج أبو داود وابن ماجة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده «أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ من العسل العشر»، ولفظ أبي داود قال «جاء هلال أحد بني متعان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشور نخل له، وكان سأله أن يحمي له واديًا يقال له سلبة، فحمى له رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الوادي، فلما ولى عمر بن الخطاب كتب سفيان بن وهب إلى عمر يسأله عن ذلك؟ فكتب إليه عمر: إن أدى إليك ما كان يؤدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عشور نخله، فاحم له سلبة وإلا فإنما هو ذباب غيث يأكله من شاء».
وأخرج الشافعي والبخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة والدارقطني والحاكم والبيهقي عن أنس. أن أبا بكر رضي الله عنه لما استخلف وجه أنس بن مالك إلى البحرين، فكتب له هذا الكتاب: هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين التي أمر الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن سئلها من المؤمنين على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعطيه، فيما دون خمس وعشرين من الإِبل الغنم في كل ذود شاة، فإذا بلغت خمسًا وعشرين ففيها ابنة مخاض إلى أن تبلغ خمسًا وثلاثين، فإن لم يكن فيها ابنة مخاض فابن لبون ذكر، فإذا بلغت ستًا وثلاثين ففيها ابنة لبون إلى خمس وأربعين، فإذا بلغت ستًا وأربعين ففيها حقة طروقة الفحل إلى ستين، فإذا بلغت إحدى وستين ففيها جذعة إلى خمس وسبعين، فإذا بلغت ستًا وسبعين ففيها ابنتا لبون إلى تسعين، فإذا بلغت إحدى وتسعين ففيها حقتان طروقتا الفحل إلى عشرين ومائة، فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين ابنة لبون، وفي كل خمس حقة، فإذا تباين أسنان الإِبل في فرائض الصدقات، فمن بلغت عنده صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه وأن يجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهمًا، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده حقة وعنده جذعة فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهمًا أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة بنت لبون وليست عنده إلا حقة فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهمًا أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة بنت لبون وليست عنده إلا ابنة مخاض فإنها تقبل منه وشاتين أو عشرين درهمًا، ومن بلغت عنده صدقة بنت مخاض وليس عنده إلا ابن لبون ذكر فإنه يقبل منه وليس معه شيء، ومن لم يكن عنده إلا أربع فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها، وفي سائمة الغنم إذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة، فإذا زادت على عشرين ومائة ففيها شاتان إلى أن تبلغ مائتين، فإذا زادت على المائتين ففيها ثلاث شياه إلى أن تبلغ ثلثمائة، فإذا زادت على ثلثمائة ففي كل مائة شاة ولا يؤخذ في الصدقة هرمة، ولا ذات عوار من الغنم، ولا تيس الغنم إلا أن يشاء المصدق، ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية، فإن لم تبلغ سائمة الرجل أربعين فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها، وفي الرقة ربع العشر، فإن لم يكن المال إلا تسعين ومائة فليس فيه شيء إلا أن يشاء ربها.
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي وحسنه والحاكم من طريق الزهري عن سالم عن أبيه قال كتب النبي صلى الله عليه وسلم كتاب الصدقة فلم يخرجه إلى عماله حتى قبض فقرنه بسيفه، فعمل به أبو بكر ثم عمر، وكان فيه: «في خمس من الإبل شاة، وفي عشر شاتان، وفي خمس وعشرين بنت مخاض إلى خمس وثلاثين، فإذا زادت ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين، فإذا زادت ففيها حقة إلى ستين، فإذا زادت فجذعة إلى خمس وسبعين، فإذا زادت بنتًا لبون إلى تسعين، فإذا زادت فحقتان إلى عشرين ومائة، فإن كانت الإِبل أكثر من ذلك ففي كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون، وفي الغنم في الأربعين شاة إلى عشرين ومائة، فإذا زادت واحدة فشاتان إلى مائتين، فإذا زادت فثلاث شياه إلى ثلثمائة، فإن كان الغنم أكثر من ذلك ففي كل مائة شاة، وليس فيها شيء حتى تبلغ المائة، ولا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع بين متفرق مخافة الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية، ولا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عيب».
قال الزهري: فإذا جاء المصدق قسمت الشاء أثلاثًا. ثلث شرار، وثلث خيار، وثلث وسط، فيأخذ المصدق من الوسط.
وأخرج الحاكم عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن والديات، وبعث مع عمرو بن حزم فقرئ على أهل اليمن، وهذه نسختها: «بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي إلى شرحبيل بن عبد كلال، والحرث بن عبد كلال، ويغنم بن عبد كلال، قيل ذي رعين، ومعافر، وهمدان، أما بعد فقد رجع رسولكم وأعطيتم من المغانم خمس الله، وما كتب الله على المؤمنين من العشر في العقار ما سقت السماء أو كان سيحًا أو بعلًا ففيه العشر إذا بلغ خمسة أوسق، وما سقي بالرشاء والدالية ففيه نصف العشر إذا بلغ خمسة أوسق، وفي كل خمس من الابل سائمة شاة إلى أن تبلغ أربعًا وعشرين، فإذا زادت واحدة على أربع وعشرين ففيها ابنة مخاض، فإن لم توجد ابنة مخاض فابن لبون ذكر إلى أن تبلغ خمسًا وثلاثين، فإذا زادت على خمسة وثلاثين واحدة ففيها ابن لبون إلى أن تبلغ خمسًا وأربعين، فإن زادت واحدة على خمسة وأربعين ففيها حقة طروقة الفحل إلى أن تبلغ ستين، فإن زادت واحدة فجذعة إلى أن تبلغ خمسة وسبعين، فإن زادت واحدة ففيها ابنا لبون إلى أن تبلغ تسعين، فإن زادت واحدة ففيها حقتان طروقتا الحمل إلى أن تبلغ عشرين ومائة، فما زاد على عشرين ومائة ففي كل أربعين ابنة لبون، وفي كل خمسين حقة، وفي كل ثلاثين باقورة تبيع جذع أو جذعة، وفي كل أربعين باقورة بقرة، وفي كل أربعين شاة سائمة شاة إلى أن تبلغ عشرين ومائة، فإن زادت على العشرين ومائة واحدة ففيها ثلاث شياه إلى أن تبلغ ثلثمائة، فإن زادت فما زاد ففي كل مائة شاة شاة، ولا يؤخذ في الصدقة هرمة، ولا عجفاء، ولا ذات عوار، ولا تيس غنم، إلا أن يشاء المصدق، ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خيفة الصدقة، وما أخذ من الخليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية، وفي كل خمس أواق من الورق خمسة دراهم، وما زاد ففي كل أربعين درهمًا درهم، وليس فيما دون خمس أواق شيء، وفي كل أربعين دينارًا دينار، إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل بيت محمد، إنما هي الزكاة تزكى بها أنفسهم، ولفقراء المؤمنين، وفي سبيل الله، وابن السبيل، وليس في رقيق، ولا مزرعة، ولا عما لها شيء إذا كانت تؤدي صدقتها من العشر، وإنه ليس في عبد مسلم، ولا في فرسه شيء».
قال: وكان في الكتاب: «إن أكبر الكبائر عند الله يوم القيامة إشراك بالله، وقتل النفس المؤمنة بغير حق، والفرار في سبيل الله يوم الزحف، وعقوق الوالدين، ورمي المحصنة، وتعلم السحر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وإن العمرة الحج الأصغر، ولا يمس القرآن إلا طاهر، ولا طلاق قبل املاك، ولا عتاق حتى يبتاع، ولا يصلين أحد منكم في ثوب واحد وشقه باد، ولا يصلين أحد منكم عاقصًا شعره، ولا في ثوب واحد ليس على منكبيه منه شيء».
وكان في الكتاب: «أن من اعتبط مؤمنًا قتلًا عن بينة فإنه قود إلا أن يرضي أولياء المقتول، وأن في النفس الدية مائة من الإِبل، وفي الأنف الذي أوعب جدعه الدية، وفي اللسان الدية، وفي الشفتين الدية، وفي البيضتين الدية، وفي الذكر الدية، وفي الصلب الدية، وفي العينين الدية، وفي الرجل نصف الدية، وفي المأمومة ثلث الدية، وفي الجائفة ثلث الدية، وفي المنقلة خمس عشرة من الإِبل، وفي كل أصبع من الأصابع من اليد والرجل عشر، وفي السن خمس من الإِبل، وفي الموضحة خمس، وأن الرجل بالمرأة، وعلى أهل الذهب ألف دينار».
وأخرج أبو داود عن حبيب المالكي قال: قال رجل لعمران بن حصين: يا أبا نجيد إنكم لتحدثونا بأحاديث ما نجد لها أصلًا في القرآن! فغضب عمران وقال: أوجدتم في كل أربعين درهمًا درهم، ومن كل كذا وكذا شاة شاة، ومن كذا وكذا بعيرًا كذا وكذا. وجدتم هذا في القرآن؟ قال: لا. قال: فعمن أخذتم هذا؟! أخذتموه عنا، وأخذناه عن نبي الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج مالك والشافعي وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارقطني عن ابن عمر قال «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على كل حر أو عبد ذكر أو انثى من المسلمين».
وأخرج أبو داود وابن ماجة والدارقطني والحاكم وصححه عن ابن عباس قال «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصيام من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات».
وأخرج مالك والشافعي وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارقطني عن أبي سعيد الخدري قال: «كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر عن كل صغير وكبير حر أو مملوك صاعًا من طعام، أو صاعًا من أقط، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من زبيب».
وأخرج أحمد وأبو داود والدارقطني عن ثعلبة بن صغير قال «قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبًا قبل الفطر بيومين فأمر بصدقة الفطر صاع تمر أو صاع شعير على كل رأس، أو صاع بر أو قمح بين اثنين صغير أو كبير حر أو عبد ذكر أو أنثى غني أو فقير، أما غنيكم فيزكيه الله، وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطاه».
وأخرج أحمد والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه عن قيس بن سعد قال «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة، فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا ونحن نفعله، وأمرنا بصوم عاشوراء قبل أن ينزل رمضان، فلما نزل رمضان لم يأمرنا به ولم ينهنا عنه ونحن نفعله».
وأخرج الدارقطني عن ابن عمر وعن علي «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر على الصغير والكبير، والذكر والأنثى، والحر والعبد، ممن تمونون».
وأخرج الشافعي عن جعفر بن محمد عن أبيه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر على الحر والعبد، والذكر والأنثى، ممن تمونون».
وأخرج البزار والدارقطني والحاكم وصححه عن ابن عباس «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر صارخًا ببطن مكة ينادي إن صدقة الفطر حق واجب على كل مسلم صغير أو كبير، ذكر أو أنثى، حر أو مملوك، حاضر أو باد، صاع من شعير أو تمر».
وأخرج الدارقطني والحاكم وصححه عن أبي هريرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم حض على صدقة رمضان على كل إنسان صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من قمح».
وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن أمه أسماء أنها حدثته: أنهم كانوا يخرجون زكاة الفطر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمد الذي يقتات به أهل البيت، والصاع الذي يقتاتون به، يفعل ذلك أهل المدينة كلهم.
وأخرج أبو حفص بن شاهين في فضائل رمضان عن جرير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صوم رمضان معلق بين السماء والأرض ولا يرفع إلا بزكاة الفطر»، قال ابن شاهين: حديث غريب جيد الاسناد.
وأخرج مالك والشافعي عن زريق بن حكيم. أن عمر بن عبد العزيز كتب إليه: أن انظر من مر بك من المسلمين فخذ مما ظهر من أموالهم من التجارات من كل أربعين دينارًا دينار، فما نقص فبحسابه حتى تبلغ عشرين دينارًا، فان نقصت ثلث دينار فدعها ولا تأخذ منها شيئًا.
وأخرج الدارقطني عن أبي عمرو بن جماس عن أبيه قال: كنت أبيع الادم والجعاب، فمر بي عمر بن الخطاب فقال لي: أدِ صدقة مالك. فقلت: يا أمير المؤمنين إنما هو في الادم! قال: قوّمه ثم أخرج صدقته.
وأخرج البزار والدارقطني عن سمرة بن جندب قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا برقيق الرجل أو المرأة الذي هو تلاد له، وهم عملة لا يريد بيعهم، فكان يأمرنا أن لا نخرج عنهم من الصدقة شيئًا، وكان يأمرنا أن نخرج عن الرقيق الذي هو يعد للبيع.
وأخرج الحاكم وصححه عن بلال بن الحرث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ من المعادن القبلية الصدقة.
وأخرج الشافعي وابن أبي شيبة عن ابن عباس أنه سئل عن العنبر فقال: إنما هو شيء دسره البحر، فإن كان فيه شيء ففيه الخمس.
وأخرج مالك وابن أبي شيبة عن ابن شهاب قال: في الزيتون العشر.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال: في الزيتون العشر.
وأخرج الدارقطني عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «في الخيل السائمة في كل فرس دينار».
وأخرج مالك والشافعي وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارقطني والبيهقي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة إلا زكاة الفطر في الرقيق».
أما قوله تعالى: {و لا تيمموا الخبيث منه تنفقون} الآية.
أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والترمذي وصحّحه وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن البراء بن عازب في قوله: {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} قال: نزلت فينا معشر الأنصار كنا أصحاب نخل، كان الرجل يأتي من نخله على قدر كثرته وقلته، وكان الرجل يأتي بالقنو والقنوين فيعلقه في المسجد، وكان أهل الصفة ليس لهم طعام، فكان أحدهم إذا جاع أتى القنو فضربه بعصاه فيسقط البسر والتمر فيأكل، وكان ناس ممن لا يرغب في الخير يأتي الرجل بالقنو فيه الشيص والحفش وبالقنو قد انكسر فيعلقه، فأنزل الله: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه} قال: لو أن أحدكم اهدي إليه مثل ما أعطى لم يأخذه إلا عن اغماض وحياء. قال: فكنا بعد ذلك يأتي أحدنا بصالح ما عنده.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال: ذكر لنا أن الرجل كان يكون له الحائطان فينظر إلى أردئهما تمرًا فيتصدق به ويخلط به الحشف، فنزلت الآية، فعاب الله ذلك عليهم ونهاهم عنه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الضحاك قال: كان أناس من المنافقين حين أمر الله أن تؤدى الزكاة يجيئون بصدقاتهم باردأ ما عندهم من الثمرة، فأنزل الله: {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون}.
وأخرج عبد بن حميد عن جعفر بن محمد عن أبيه قال «لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر جاء رجل بتمر رديء، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي يخرص النخل أن لا يجيزه، فأنزل الله: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم} الآية».
وأخرج الحاكم من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر قال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر بصاع من تمر، فجاء رجل بتمر رديء فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن رواحة «لا تخرص هذا التمر»، فنزل هذا القرآن {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض} الآية.
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والدارقطني والحاكم والبيهقي في سننه عن سهل بن حنيف قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدقة، فجاء رجل بكبائس من هذا السحل يعني الشيص فوضعه، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «من جاء بهذا- وكان كل من جاء بشيء نسب إليه- فنزلت {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} الآية. ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لونين من التمر، أو يؤخذا في الصدقة الجعرور ولون الحبيق».
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يشترون الطعام الرخيص ويتصدقون، فأنزل الله: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم} الآية.
وأخرج ابن جرير عن عبيدة السلماني قال: سألت علي بن أبي طالب عن قول الله: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم} الآية. فقال: نزلت هذه الآية في الزكاة المفروضة، كان الرجل يعمد إلى التمر فيصرمه فيعزل الجيد ناحية، فإذا جاء صاحب الصدقة أعطاه من الرديء. فقال الله: {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه} يقول: ولا يأخذ أحدكم هذا الرديء حتى يهضم له.
وأخرج ابن جرير عن عطاء قال: علق إنسان حشفًا في الاقناء التي تعلق بالمدينة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما هذا؟! بئسما علق هذا». فنزلت {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون}.
وأخرج ابن المنذر عن محمد بن يحيى بن حبان المازني من الأنصار أن رجلًا من قومه أتى بصدقته يحملها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصناف من التمر معروفة من الجعرور واللينة والأيارخ والقضرة وآمعاء فارة وكل هذا لا خير فيه من تمر النخل، فردها الله ورسوله، وأنزل الله فيه {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم} إلى قوله: {حميد}.
وأخرج سفيان بن عيينة والفريابي عن مجاهد قال: كانوا يتصدقون بالحشف وشرار التمر، فنهوا عن ذلك وأمروا أن يتصدقوا بطيب قال: وفي ذلك نزلت {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون}.
وأخرج وكيع وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن الحسن قال: كان الرجل يتصدق برذالة ما له، فنزلت {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون}.
وأخرج أبو داود والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي عن عوف بن مالك قال «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه عصا، فإذا اقناء معلقة في المسجد قنو منها حشف، فطعن في ذلك القنو وقال: ما يضر صاحبه لو تصدق بأطيب من هذه، إن صاحب هذه ليأكل الحشف يوم القيامة».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {أنفقوا من طيبات ما كسبتم} يقول: تصدقوا من أطيب أموالكم وأنفسه {ولستم بآخذيه} قال: لو كان لكم على أحد حق فجاءكم بحق دون حقكم لم تأخذوه بحساب الجيد حتى تنقصوه فذلك قوله: {إلا أن تغمضوا فيه} فكيف ترضون لي ما لا ترضون لأنفسكم؟ وحقي عليكم من أطيب أموالكم وأنفسه، وهو قوله: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} [آل عمران: 92].
وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبد الله بن مغفل في قوله: {ولا تيمموا الخبيث} قال: كسب المسلم لا يكون خبيثًا ولكن لا تصدق بالحشف، والدرهم الزيف، وما لا خير فيه. وفي قوله: {إلا أن تغمضوا فيه} قال: لا تجوزوا فيه.
وأخرج ابن ماجة وابن جرير وابن أبي حاتم عن البراء بن عازب {ولا تيمموا الخبيث} يقول: ولا تعمدوا للخبيث منه تنفقون، واعلموا أن الله غني عن صدقاتكم.
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: اخبرني عن قوله: {ولا تيمموا الخبيث} قال: لا تعمدوا إلى شر ثماركم وحروثكم فتعطوه في الصدقة، ولو أعطيتم ذلك لم تقبلوا. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت الأعشى وهو يقول:
يممت راحلتي أمام محمد ** أرجو فواضله وحسن نداه

وقال أيضًا:
تيممت قيسا وكم دونه ** من الأرض من مهمه ذي شرر

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن محمد بن سيرين قال: سألت عبيدة عن هذه الآية: {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} قال: إنما ذلك في الزكاة في الشيء الواجب، فأما في التطوّع فلا بأس بأن يتصدق الرجل بالدرهم الزيف هو خير من التمرة.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {ولستم بآخذيه إلاَّ أن تغمضوا فيه} قال كان رجال يعطون زكاة أموالهم من التمر، فكانوا يعطون الحشف في الزكاة فقال: لو كان بعضهم يطلب بعضًا ثم قضاه لم يأخذه إلا أن يرى أنه قد أغمض عنه حقه.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله: {ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه} قال: لا تأخذونه من غرمائكم ولا في بيوعكم إلا بزيادة على الطيب في الكيل، وذلك فيما كانوا يعلقون من التمر بالمدينة، ومن كل ما أنفقتم فلا تنفقوا إلا طيبًا.
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير في قوله: {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} قال: الحشفة والحنطة المأكولة {ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه} قال: أرأيت لو كان لك على رجل حق فاعطاك دراهم فيها زيوف فاخذتها، أليس قد كنت غمضت من حقك؟
وأخرج وكيع عن الحسن {ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه} قال: لو وجدتموه يباع في السوق ما أخذتموه حتى يهضم لكم من الثمن.
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك {ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه} يقول: لو كان لك على رجل حق لم ترض أن تأخذ منه دون حقك، فكيف ترضى لله بأردإ مالك تقرب به إليه؟
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه} يقول: لستم بآخذي هذا الرديء بسعر الطيب إلا أن يهضم لكم منه.
وأخرج أبو داود والطبراني عن عبد الله بن معاوية الفاخري قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإِيمان: من عبد الله وحده وأنه لا إله إلا الله، وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه وافرة عليه كل عام، ولم يعط الهرمة، ولا الذربة، ولا المريضة، ولا الشرط اللثيمة، ولكن من وسط أموالكم فإن الله لم يسألكم خيره ولا يأمركم بشره».
وأخرج الشافعي عن عمر بن الخطاب. أنه استعمل أبا سفيان بن عبد الله على الطائف فقال: قل لهم: لا آخذ منكم الربى، ولا الماخض، ولا ذات الدر، ولا الشاة الأكولة، ولا فحل الغنم، وخذ العناق والجذعة والثنية، فذلك عدل بين رديء المال وخياره.
وأخرج الشافعي عن سعر أخي بني عدي قال «جاءني رجلان فقالا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا نصدق أموال الناس. قال: فأخرجت لهما شاة ماخضًا أفضل ما وجدت، فرداها علي وقالا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن نأخذ الشاة الحبلى. قال: فاعطيتهما شاة من وسط الغنم فاخذاها».
وأخرج أحمد وأبو داود والحاكم وصححه عن أبي بن كعب قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم مصدقًا، فمررت برجل فجمع لي ماله فلم أجد عليه فيها إلا ابنة مخاض، فقلت له: أدابة مخاض فإنها صدقتك؟ فقال: «ذاك ما لا لبن فيه ولا ظهر ولكن هذه ناقة عظيمة سمينة فخذها» فقلت له: ما أنا بآخذ ما لم أومر به، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم منك قريب، فإن أحببت أن تأتيه فتعرض عليه ذلك؟ قال: إني فاعل. فخرج معي بالناقة حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره. فقال: «إن تطوّعت بخير آجرك الله فيه وقبلناه منك، وأمر بقبض الناقة منه ودعا له بالبركة».
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن أبي هريرة قال: لدرهم طيب أحب إلي من مائة ألف، اقرأ: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم} الآية.
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير في قوله: {أنفقوا من طيبات ما كسبتم} من الحلال.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن مغفل {أنفقوا من طيبات ما كسبتم} قال: من الحلال.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله: {ولا تيمموا الخبيث} قال: الحرام.
وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يكسب عبد مالًا حرامًا فينفق منه فيبارك له فيه، ولا يتصدق فيقبل منه، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار. إن الله لا يمحو السيئ بالسيئ ولا يمحو السيئ إلا بالحسن، إن الخبيث لا يمحو الخبيث».
وأخرج البزار عن ابن مسعود رفعه قال: إن الخبيث لا يكفر الخبيث ولكن الطيب يكفر الخبيث.
وأخرج أحمد في الزهد عن ابن عمر قال: إذا طاب المكسب زكت النفقة، إن الخبيث لا يكفر الخبيث.
وأخرج أحمد في الزهد عن أبي الدرداء قال: إن كسب المال من سبيل الحلال قليل، فمن كسب مالًا من غير حله فوضعه في غير حقه فآثر من ذلك أن لا يسلب اليتيم ويكسو الأرملة، ومن كسب مالًا من غير حله فوضعه في غير حقه فذلك الداء العضال، ومن كسب مالًا من حله فوضعه في حقه فذلك يغسل الذنوب كما يغسل الماء التراب عن الصفا.
وأخرج ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أديت الزكاة فقد قضيت ما عليك، ومن جمع مالًا من حرام ثم تصدق به لم يكن له فيه أجر، وكان إصره عليه».
وأخرج الطبراني عن ابن مسعود قال: من كسب طيبًا خبثه منع الزكاة، ومن كسب خبيثًا لم تطيبه الزكاة.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا خرج الحاج حاجًا بنفقة طيبة، ووضع رجله في الغرز فنادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء لبيك وسعديك زادك حلال وراحلتك حلال وحجك مبرور غير مأزور، وإذا خرج بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز، فنادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء لا لبيك ولا سعديك زادك حرام ونفقتك حرام وحجك مأزور غير مبرور».
وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن أسلم مولى عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حج بمال حرام فقال: لبيك اللهم لبيك. قال الله له: لا لبيك ولا سعديك حجك مردود عليك».
وأخرج أحمد عن أبي بردة بن نيار قال «سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الكسب؟ فقال: بيع مبرور، وعمل الرجل بيده».
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال «سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي كسب الرجل أطيب؟ قال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور».
وأخرج عبد بن حميد عن عائشة قالت: قال الله: كلوا من طيبات ما كسبتم وأولادكم من أطيب كسبكم، فهم وأموالهم لكم.
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والنسائي وابن ماجة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه».
وأخرج عبد بن حميد عن عائشة قالت: إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وولده من كسبه، وليس للولد أن يأخذ من مال والده إلا بإذنه، والوالد يأخذ من مال ولده ما شاء بغير إذنه.
وأخرج عبد بن حميد عن عامر الأحول قال: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما لنا من أولادنا؟ قال: هم من أطيب كسبكم، وأموالهم لكم».
وأخرج عبد بن حميد عن محمد بن المنكدر قال «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن لي مالًا وإن ليس عيالًا، ولأبي مال وله عيال، وإن أبي يأخذ مالي. قال: أنت ومالك لأبيك».
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال: يأخذ الرجل من مال ولده إلا الفرج.
وأخرج عبد بن حميد عن الشعبي قال: الرجل في حل من مال ولده.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: يأخذ الوالد من مال ولده ما شاء والوالدة كذلك ولا للولد أن يأخذ من مال والده إلا ما طابت به نفسه.
وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم قال: ليس للرجل من مال ابنه إلا ما احتاج إليه من طعام أو شراب أو لباس.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن الزهري قال: لا يأخذ الرجل من مال ولده شيئًا إلا أن يحتاج فيستنفق بالمعروف، يعوله ابنه كما كان الأب يعوله، فاما إذا كان موسرًا فليس له أن يأخذ من مال ابنه فيقي به ماله أو يضعه فيما لا يحل.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد من طريق قتادة عن الحسن قال: يأخذ الرجل من مال ابنه ما شاء، وإن كانت له جارية تسراها إن شاء. قال قتادة: فلم يعجبني ما قال في الجارية.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن الزهري قال: إذا كانت أم اليتيم محتاجة أنفق عليها من ماله يدها مع يده. قيل له: فالموسرة قال: لا شيء لها. والله أعلم. اهـ.